"ترزى ينتحر بالمبيد الحشرى لمروره بضائقة
مالية"، "انتحار ربة منزل حزناً على شقيقها"، "انتحار أمين شرطة بسلاحه
الميرى فى أسيوط".. كلها عناوين تخبرنا بأن المزيد من المصريين اختاروا
بإرادتهم مغادرة الحياة بدلا من السعي في مناكبها...
آخر هذه
الأخبار نشر صباح الخميس الماضي بجريدة المصري اليوم حول انتحار ثلاثة
أشخاص في يوم واحد، وهو ما سبب صدمة لدى الكثير من القراء ودفعهم للعن
الفقر والحاجة وما تسببه الضغوط اليومية التي جعلت المصري يكره عيشته
ويفضل عليها الموت كافراً!!.
ولكن د.أحمد عبد الله، استشارى الطب
النفسي والمهتم بمشكلات المجتمع المصري، لم يصدمه الخبر كما صدم غيره،
لكنه تناوله بالبحث والتحليل.. ولاد البلد التقت به لمحاولة فهم تلك
الظاهرة وتفسيرها... ما هي أسباب الانتحار بصفة عامة ؟ هي
الأسباب المتعارف عليها، الفقر والضغوط الاقتصادية والنفسية، وشكل حياة
المواطن المصري بصفة خاصة هي أحد أهم أسباب الانتحار، فلا أعتقد أن
المواطن بانتحاره يكون قد أحدث فرقا كبير، فهو في كلتا الحالتين " مش
عايش" من الأساس، وهو ما نلاحظه عند عودة أي مصري بالخارج، فنجده منبهرا
بخدمات أساسية كان من البديهي أن تكون موجودة في بلده، لكنها بالنسبة له
رفاهية بعيدة المنال. ولكن الفقر موجود منذ القدم، فلماذا تزداد نسب الانتحار بمرور الأيام ؟ مخطئ
من يعتقد أن الفقر هو السبب الرئيسي في الانتحار، ففي العديد من الدول
الأوروبية التي تتمتع بمستوي معيشي عال تسجل أعلى نسب انتحار، ولك أن
تتخيل أن الكثير منها يرجع إلي " كتر الفلوس"، ومن الناحية النفسية يمكن
أن تفسر ذلك بأنهم قد فعلوا كل شيء ولا يوجد تحديات أمامهم، فبأموالهم
يحصلون على كل ما يشتهون، فبالتالي يملأ الفراغ حياتهم، فيتجهون للانتحار،
بعكس الظروف التي تدفع المواطن المصري سواء كان شاباً أو رب أسرة لنفس
الفعلة، فأسلوب حياة المصري، والضغوط العائلية وضغوط العمل ومتطلبات
الحياة، وشكل حياته التي أجد أن أنسب تشبيه لها هو ( الموت بالحياة ).
لماذا لم يسبب لك الخبر المنشور صدمة أو مفاجأة ؟ لأن
ما ينشر في الإعلام لا يتعدى ربع معدلات الانتحار الحقيقية، أو الحالات
التي تثبت في محاضر الشرطة، وذلك فضلا عن حالات أخرى تحاول الهروب من
العقوبة القانونية لمن يحاول الانتحار فتدعي أنها تعرضت لحادثة ما، وغيرها
كثير من الحالات.
ما الوسائل التي نستطيع بها الحد من الانتحار لدى الشباب؟ للأسف،
في مصر كانت هناك فكرة لجمعية تقاوم الانتحار عن طريق خط ساخن كالإيدز،
ليتصل الشخص المكتئب أو الذي يشعر بالرغبة في الانتحار، لتتاح له فرصة
التحدث مع متخصصين يستطيعون علاجه هاتفياً ومجاناً، ويتبناها عدد من
المتطوعين ولكنهم فشلوا في الحصول علي رخصة، وواجهوا إعاقات عديدة للحد من
فكرتهم، وبالفعل لم تخرج الفكرة للنور
هل توجد أعراض ما قبل الانتحار؟ في
الغالب لا توجد أعراض ولا مقدمات، وخاصة أنك تلاحظ في الفترة الأخيرة موجة
الانتحار المفاجئ، وإن كانت هناك أعراض للاكتئاب وهو أحد الدوافع الرئيسية
في الإقدام علي الانتحار، وتتمثل مظاهره في :
• مظاهر انفعالية: فقدان الاهتمام والسرور
• مظاهر إرادية: فقدان القدرة على المبادرة.
• مظاهر فكرية: اضطراب التفكير وانخفاض مستوى قدرته.
• مظاهر اجتماعية: صعوبة إقامة العلاقات والمحافظة عليها.
• مظاهر سلوكية: اللامبالاة وانعدام الأمل والطموح.
كما
أن في الوقت الحالي هناك عدد كبير من المواقع الإلكترونية الداعية
للانتحار وإنهاء الحياة، والغريب فعلاً أنها تلاقي رواجاً كبيراً من
الشباب المصري والعربي، وهي تقوم علي وصفك لحالتك وبناءً عليها يقترح لك
القائمون على الموقع الوسيلة المناسبة للانتحار، ويرجع ذلك إلي إنعدام
الرقابة من جانب الجهات المعنية.
من الممكن أن يكون ذلك المنتحر هو أحد معارفنا أو أصدقائنا، فماذا يمكننا أن نفعل تجاهه ؟ معظم
حالات الاكتئاب تكون ناتجة عن العزلة الاجتماعية أو أنها أحد العناصر
المؤثرة في ذلك، ويجب أن نتفهم نفسية المكتئب أولا، وأن نتفهم أنه علينا
أن نتميز برحابة الصدر والاستماع له أطول وقت ممكن فأنه يكون في حاجة
للتحدث، ولا تحاول إلقاء اللوم عليه حتى وإن كان مخطئاً، فذلك يعزز من
الشعور بالذنب ويعمق فجوة الاكتئاب، الإطراء على تصرف جيد، وإشعاره بتقبله
بكل حب وسط مجتمعه، والتأكيد دوماً علي الوازع الديني بطريقة غير مباشرة
أو عن طريق تصرفاتنا أمامه، فهم عادة لا يتقبلون النصائح الدينية.
هل للوسيلة المستخدمة في الانتحار علاقة بمدي الرغبة في الموت ؟ في
معظم الحالات تكون كذلك، فمن الممكن أن يكون المنتحر لا يريد الموت، ويحب
الحياة، ولكنه فقط يريد إرسال رسالة إلي من حوله، ويعتمد علي سرعة إنقاذهم
له، فهناك من يختار السم وتناول العقاقير، فذلك في الغالب يبعث برسالة ما،
كنتيجة لعدم استماع من حوله له، وخاصة في الوسط الأسري.
ما النصائح التي يمكن أن تقدمها للمصاب بنوبة اكتئاب ؟ • الإيمان بالله، وبأن قدر الله كله خير، والصبر.
• ثق بنفسك وبمهارتك وبقدرتك علي بلوغ أهدافك.
• إبحث عن أي مكان مختلف ونسبة الازدحام به مناسبة، لقضاء إجازة لمدة أسبوع أو أكثر.
•
حاول تجديد شبكة علاقاتك، وإنشاء علاقات اجتماعية جديدة، فقط حاول.. فقد
فشل أديسون 999 مرة وهو مخترع، فأنت مازلت أحسن منه لأنك لم تفشل كل تلك
المرات.
• لا تتشائم وتذكر قول رسول الله " تفاءلوا خيراً تجدوه"
• مستقبلك مشرق إلي أن تقرر أنت عكس ذلك.
ويفضل
أن يكون هناك من يراعيه ويراقب تصرفاته عن بعد، خشية إيذاء نفسه في لحظة
ضعف وتمكن الأوهام والتخيلات من عقله وأفكاره، كما يجب احترام المكتئب
كإنسان يمر بأزمة وليس كمعتوه.